1/09/2017

شرح الأصول الثلاثة






الدرس الحادى عشر
المؤلف رحمه الله يذكر الأدلة على أنواع من أنواع العبادات التي يجب إخلاصها لله عزوجل وأنه متى صرفها العبد لغير الله تبارك وتعالى فإنه يعتبر مشركاً كافراً
من هذه العبادات التي يجب إخلاصها لله تبارك وتعالى :
[الرغبة والرهبة والخشوع ]
فـــــ الرغبة هي :
[ الطمع فيما عند الله ] وهو نوع من أنواع الرجاءولكنه رجاء خاص متضمن لقوة القلب واعتماده على الله ورغبته فيما عند الله وقوة طمعه فيما عند الله عزوجل

والرهبة هى : [ من أنواع الخوف ] ولكنه خوف خاص لأنه متضمن للعمل بما يباعد عما يخاف منه من عذاب الله تبارك وتعالى فالرهبة ليست مجرد خوف ولكنه خوف مقرون بالعمل

والخشوع هو :
[ التذلل وعدم التكبر والترفع بل الخضوع والأستكانة لله عزوجل ] والخشوع يكون بالقلب وبسائر الجوارح


هذه عبادات يجب إخلاصها لله تبارك وتعالى فربنا عزوجل ذكر الأنبياء الذين ذكرهم في
[سورة الأنبياء] ثم مدحهم فقال عزوجل { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } فمدحهم ربناعزوجل بأنهم مسارعون في الطاعات مبادرون على فعل الخيرات والحسنات { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} يعني أنهم في حال سيرهم إلى الله وفعلهم لهذه الطاعات  وحرصهم على الاستكثار من الحسنات فإن حالهم وهم على ذلك أنهم راغبون فيما عند الله وأنهم خائفون وجلون مشفقون من عذاب الله فهذا فيه رد على طائفة الصوفية أَوغلاة الصوفية الذين يقولون : [ إننا لا نعبد الله عزوجل رغبةً في جنته ولا خوفًا من عذابه وإنما نعبده لأننا نحبه ]
هذا خطأ بل الأنبياء الذين لهم المقام الرفيع والذين هم أعلم الخلق بالله والذين مدحهم الله وزكاهم وأثنى عليهم أخبر الله عزوجل عن حالهم
{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً } ولهذا لما قال ذلك الفتى الأنصاري لما سأله النبي صل الله عليه وسلم [ كيف تقول فى الصلاة ؟ قال  أتشهد ثم أقول اللهم إنى أسألك الجنة وأعوذ بك من النار اما إنى لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال النبى صل الله عليه وسلم : حولها ندندن ] [ دندنتك ] بدالين مفتوحين ونونين هي أن يتكلم الرجل بالكلام تسمع نغمته ولا يفهم و الدندنة قراءة مبهمة غير مفهومة
فلهذا ينبغي للسائر إلى الله عزوجل أن يسير بين الرجاء والطمع فيما عند الله وبين الخوف من غضب الله وعذابه وبطشه

اختلف أهل العلم أيهما يُغلب ؟ الذي عليه جماعة من العلماء أنهما يكونان سواء كجناحي الطائر متى قَصر أحد الجناحين فإن الطير يضطرب وهكذا ينبغي للسائر إلى الله عزوجل أن يجعل رجاءه في الله عظيما ولكن لا يتمادى في هذا الرجاء حتى يأمن من مكر الله وأيضا يكون خائفًا من الله ولا يتجاوز بخوفه حتى يقع في القنوط واليأس من رحمة الله عزوجل فربنا  تبارك وتعالى يقول هنا :
{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}
الخشوع محله القلب وهي :[ الرقة واللين والخوف والوجل من الله تبارك وتعالى ] هذا محل القلب يؤدي إلى تذلل وإلى إنكسارورغبة فيما عند الله وخوف من الله عزوجل هذا هو الخشوع فإذا خشع القلب أدى إلى خشوع سائر الجوارح كالرأس والعين واليدين والرجلين واللسان والبصر وكما قال النبي صل الله عليه وسلم [ ألاوإن في الجسد مُضغة إِذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ] فمحل الخشوع هو القلب وإذا خشع القلب أدى إلى خشوع سائر الجوارح ولهذا النبي صل الله عليه وعلى آله وسلم  يقول كما في صحيح مسلم من حديث عليٍ في الركوع في ذلك الحديث الطويل : [ اللهم لك ركعت وبك أمنت ولك أسلمت خشع لك سمعى وبصرى ومخى وعظمى وعصبى ]
هذا يدلنا على أن الخشوع إذا كان في القلب أدى إلى خشوع سائر الجوارح
يقول ربنا عزوجل مبينا أن محل الخشوع هو القلب :
{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ } ويقول ربنا عز وجل مبيناَ أن الخشوع يكون فى الجوارح { كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ } يعني هذا يدل على أن الخشوع أيضا يكون بالبصر ويقول ربنا عزوجل { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} وأيضا مما يدل على حصول الخشوع في الصوت قوله سبحانه {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا } 
فلهذا من خشع قلبه خشعت سائر جوارحه وهذا هو الإيمان أما من تكلف الخشوع بالجوارح بدون خشوع في القلب فهذا الذي استعاذ منه سلفنا الصالح أنهم استعاذوا من خشوع المنافقين
ما هو خشوع المنافق؟ أنه يتظاهر بالخشوع والذلة والخضوع في جوارحه الظاهرة ولا يكون قلبه ذلك ولكن خشوع أهل الإيمان هو خشوع قلوبهم فإذا خشعت قلوبهم أدى إلى خشوع سائر جوارحهم هنا يقول ربنا عزوجل {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} هذه الآية فيها مدح هؤلاء الذين تخلقوا بهذه الصفات [ الرغبة فيما عند الله ] أنهم لا يرغبون إلا في ما عند الله ولا يطمعون في أمور لا يقدر عليها إلا الله إلا من الله عزوجل كما قال ربنا عزوجل عن أولئك المؤمنين الصادقين أنهم قالوا {إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ } فالرغبة والرجاء في أمور لا يقدر عليها إلا الله لا تكون إلا بالله وأما الرجاءوالرغبة في أمر يقدر عليه المخلوق هذا لا بأس يعني يقول [ أنا أرغب أَن تزوجني أرغب أن تعطيني أرغب أَنْ تساعدني ] في أمور يقدر عليها غير الله هذا لا بأس أما [ رغبة العبادة ] فهي متضمنة لتعلق القلب والعمل وإخلاص القلب والطمع واليقين والثبات وهذا كله لا يكون إلا بالله وأيضا [ الرهبة ] عبادة من العبادات أنه يخاف من الله مع عمله بالأسباب التي تنجيه من عذاب الله عزوجل
وأيضا
[الخشوع] عبادة فربنا عزوجل مدح هؤلاء وقال { وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}ويقول ربنا عزوجل { وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } ومدح ربنا عزوجل المؤمنين في خشوعهم بجميع جوارحهم في صلاتهم فقال { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } يعني خشعت قلوبهم وخشعت أبدانهم ولم تتحرك جوارحهم وأيضا مدح ربنا عزوجل طائفةً من مؤمني أهل الكتاب فقال ربنا عزوجل {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا } فهذا يدلنا على أن الخشوعَ عبادة من أَجل العبادات فمدح الله عزوجل لهؤلاء الذين تخلقوا بهذه الصفات هذا يدل على أنه شيء محبوب
 و شيء يرضاه الله ويأمربه فهذا هو ضابط العبادة : جامعه لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة فهذه وغيرها من الأدلة تدل على أن [الرغبة والرهبة والخشوع ]عبادات من أجل العبادات  

لا يجوز صرفها إلى غير الله عزوجل وإذا عرفنا ذلك عرفنا أن طائفة القبورومن شاكلهم أنهم يصرفون هذه العبادات لغير الله إذا جاءوا إلى قبور هؤلاء الذين يسمونهم بالأولياء والصالحين

 تجد عندهم رغبة وطمعا فيما عند هذا المقبور ورهبة وخوفًا وعندهم الخشوع في أبدانهم وفي أبصارهم وفي ألسنتهم وحركات جوارحهم يعني يخشعون عند هؤلاء المقبورين أعظم من خشيتهم  وخشوعهم لله في حال صلاتهم وحال مناجاتهم لله تبارك وتعالى فلهذا أراد المصنف رحمه الله أن يدلل على أن هذه الأمور لا يجوز صرفها لغير الله [ الرغبة والرهبة والخشوع ]


الشرح
ربنا عزوجل نهى أولياءه أَن يخشوا غيره وأَن يقصروامن خشيتهم لله تبارك وتعالى فالله عزوجل هو القادر والخشية نوع من أنواع الخوف لكنه خوف متضمن للعلم بعظمة هذا المخوف منه وأنه قادرعلى إنزال ما يتوعد به هؤلاء المعرضين
العلم المتضمن لعظمة المخوف منه والرهبة هذا يسمى
[ خشية ] يعني هو أخص أنواع الخوف ليس خوفًا مجردا وإنما خوف مقرون بالعلم وأيضا هو خوف مقرون بالعمل فإن من علم أن الذي يخاف منه قادرعليه لا شك أنه يعمل بالأسباب التي بها يحصل رضا هذا الذي يخشاه ولهذا يقول الله عزوجل { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } لأنهم وقفوا على شريعته ووقفوا على عظمته وعرفوا هذا الخير الذي بعث به نبيه وعرفوا أوامره ونواهيه سبحانه وتعالى هذا يحملهم على الخوف والاستعداد والخشية من الله عزوجل ولهذا يقول الله { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ }
ويقول ربنا عزوجل في وصف ومدح هؤلاء
{ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ } ويأتي في تقسيم الخشية ما تقدم ذكره في باب أنواع الخوف







الشرح
يذكر المصنف رحمه الله الدليل على أن الإنابة عبادة من العبادات الجليلة التي يجب إخلاصها لله ولا يجوز صرفها لغير الله تبارك وتعالى و[الإنابة]هي أخص من معنى [التوبة] فإن التوبة معناها :
[ الإقلاع عن الذنب والعزم على عدم العوده إلى الذنب والندم على ما حصل ] وأما الإنابة فإنها متضمنة لمعنى زائد على مجرد التوبة ألا وهي  أن من حقق شروطَ التوبة أى أنه ندم وأنه أقلع وأنه عزم على ألا يعود فإنه يزيد على ذلك شيئا آخر وهو أن رجوعه إلى الله تبارك وتعالى متضمن لزيادة في الخير وسرعة في عمل الطاعة فَمن كان على حال ثم ارتكب معصية ثُم أقلع عنها هذا يقال له [تائب] أما من كان على حال ثم ارتكب معصية فتاب منها ثم أقبل على الله وسارع إلى مرضاة الله وحرص على إصابة رحمة الله عزوجل فهذا يقال له [منيب] فلهذا فالإنابة مرتبة عالية وعبادة جليلة لا يجوز صرفها لغير الله تبارك وتعالى

الإنابة كما ذكره العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه [مدارج السالكين ]
 [الإنابة إنابتان : إنابةٌ لربوبيته وإنابةٌ لأُلوهيته ]
أما الإنابة لربوبية الله عزوجل فهذه يشترك فيها المسلم والكافروالبروالفاجروالصالح والطالح بمعنى الاستكانة لربوبية الله عزوجل والرجوع إليه في ذلك هذا يحصل للجميع كما قال ربنا تبارك وتعالى { وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ}يعني في حال الشدة يحصل الرجوع من الجميع لكن لا يتضمن لإسلام من رجع إليه في حال الشدة لأن الله يقول { ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ } فلهذا فالإنابة تكون إنابة لربوبيته هذه عامة للجميع

النوع الثانى الإنابة لألوهيته عزوجل وهي لا تكون إلا لعباد الله المؤمنين فإنابة المؤمنين متضمنة للخضوع والرجوع والاستكانة والتوبة والإسراع والإقبال على الله عزوجل

قال المصنف رحمه الله ودليل الإنابة قوله تعالى
{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ }
{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ } أي ارجعوا إلى طاعة الله وسارعوا إلى مرضاة الله { وَأَسْلِمُوا لَهُ }
 بمعنى أخلصوا دينكم لله
منهم من فَسر الإنابة
{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} بمعنى الرجوع بالقلب{وَأَسْلِمُوا لَهُ} أي بالجوارح
 ولهذا فالإنابة إذا أُفْردت ولم تقرن بالإسلام كانت متضمنة لإنابة القلب ولفعل الجوارح أما إذا قُرنت الإنابة مع الإسلام فتكون الإنابة بالقلوب والإسلام بالجوارح
{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} هذا يدلنا على شرط الإخلاص لله تبارك وتعالى في التوبة وفي الإنابة وفي الرجوع إليه سبحانه وتعالى لأنه قال {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} فمن أقلع عن ذنبه بدون إخلاص هذا لا يعتبر توبة وهكذا من رجع في ظاهره إلى الله بدون إخلاص هذه لا تعتبر إنابة فقوله سبحانه وتعالى {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} فيه معنى زائد على معنى التوبة بدليل أن هذه الآية كانت بعد قوله عزوجل{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
 
{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} والإسلام هنا هوالإسلام الشرعي لأن الإسلام على قسمين
 [ إسلام كوني وإسلام شرعي ]
الإسلام الكوني هو :  فيشترك فيه جميع من في السماوات والأرض فإنهم خاضعون لأمر الله تبارك وتعالى لا يستطيعون الحيد عن أمر الله وقدره قيد أنملة ولهذا يقول الله {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا }
 الإسلام الشرعي هو: إسلام وخضوع ورجوع وانقياد المؤمنين من عباد الله
هنا تنبيه : كما أن الإنابة عبادة من العبادات الجليلة لأن الله أمر بها {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} تقدم معنا أن ضابط العبادة : [ ما أمرالله عزوجل به ] أي شيء يأمر الله به هذا يدل على أنه عبادة من العبادات وأي شيء يثني ربنا سبحانه وتعالى على من فَعلَه أَو يخبر برضاه على من فَعلَه هذا يدل على أنه عبادة من العبادات ما هو الدليل على أن الإنابة عبادة ؟ أَمر الله عزوجل بها {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} وهذا التنبيه أن الإنابة كما تقدم هي أخص من التوبة وهل التوبة عبادة من العبادات ؟
 أَطْلَق جماعة من أهل العلم بأن التوبة بدون تفصيل تعتبر عبادة من العبادات الجليلة التي لا يجوز صرفها لغير الله بمعنى لا تجوز أن تكون التوبة لغير الله تبارك وتعالى لأن الله عزوجل يقول :
{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}و يقول {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} والله عزوجل يقول {قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ } يعني أن التوبة لا تكون إلا إلى الله سبحانه وتعالى
ومنهم من فَصل فقال : التوبة التي لا يجوز أن تصرف لغير الله إنما هي
[توبة العبادة] أما التوبة بمعنى [الرجوع] فهذا يجوز أَن يكون إلى غير الله واستدل هذا البعض من أهل العلم بحديث عائشة رضي الله عنها  لما سترت سهوة لها بقرام فجاء النبي صل الله عليه وسلم  ووقف على الباب ولم يدخل فقالت عائشة رضي الله عنها [أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت ؟] فهنا تقول عائشة رضي الله عنها [أتوب إلى الله وإلى رسوله] مع أن الآيات التي استدل بها الذين قالوا بأن التوبة لا تكون إلا إلى الله ظاهرة في قصر التوبة على الله عزوجل فكيف يوجه هذا الحديث ؟ قالت : [أتوب إلى الله وإلى رسوله] قال البعض : [ هنا التوبة بمعنى الرجوع ] كما يقول الولد إذا ضربه أبوه [أتوب] هو لا يفهم ما معنى التوبة لكن بمعنى أَرجع وأترك ما أنا عليه هكذا ذهب بعض أهل العلم وهذا القول له وجاهه أن التوبة التي لا يجوز أَن تكون إلى غير الله هي [توبة العبادة] أما التوبة بمعنى [الرجوع] هذا يجوز أن يكون إلى غير الله مع أن كما تقدم كثير من أهل العلم أَطلق بأن التوبة عبادة لا يجوز أَن تكون إلى غير الله تبارك وتعالى


هذا والله تعالى أعلى وأعلم
وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى أل بيته وصحابته


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق