12/19/2016

الدرس العاشر




الشرح

ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الدليل على كون التوكل عبادة من العبادات الجليلة فإن التوكل
 على الله سبحانه وتعالى  من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه عزوجل فهو 
كما عبر بذلك العلامة ابن القيم يعتبر المركب السائر إلى الله عزوجل فإنه إذا نزل عن هذا 
المركب الذي يوصله إلى الله تبارك وتعالى فإنه يتأخر ويحصل له شيء من التباطؤ بخلاف ما 
إذا استمر في سيره إلى الله تبارك وتعالى في ركوبه على هذا المركب وهو التوكل على الله 
عز وجل الذي هو جماع أنواع العبادات فمنزلة التوكل بالنسبة لسائر العبادات كمنزلة
 الجسد من الرأس كما أن الرأس لا يقوم إلا على البدن أيضا لا تقوم أعمال الإيمان ومقامات الإحسان وهكذا الإسلام إلا على ساق التوكل هكذا قال رحمه الله تعالى


التوكل على الله عز وجل عبادة قلبية فما تعريف التوكل ؟
] التوكل معناه في اللغة : [ الاعتماد  والاستسلام
 
التوكل شرعا هو : [ صدق الاعتماد على الله عزوجل في جلب المنافع  ودفع المضار صدق الاعتماد على 
الله تبارك وتعالى في تحصيل مصالح الدين  والدنيا مع الأخذ  بالأسباب المشروعة ]
هذا هو التوكل على الله تبارك وتعالى هو صدق الاعتماد على الله عز وجل في جلب مصالح الدنيا  والدين مع ثقة القلب بالله تبارك وتعالى والاستناد إليه  والاعتماد عليه مع القيام بالأسباب المأذون بها شرعا فالتوكل على الله تبارك وتعالى هو الذي يجمع العلم و عمل القلب  ويجمع مباشرة الأسباب التي أذن الله عز وجل بها

 
أما العلم
فإن المتوكل على الله عز وجل يعلم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأن ربنا عزوجل 
بيده الملك  وبيده الأمر وله التصرف المطلق وهو الذي ينفع  ويضر وهو الذي يُعطي ويمنع وهو 
الذي يخفض ويرفع  وهو الذي يمنح  وهو الذي يُمسك سبحانه وتعالى
هذا هو العلم أن يعلم القلب هذه الأمور في الله عز وجل ويعتقدها

أما عمل القلب
وهو أن القلب يعتمد على الله ويثق بالله ويركن إليه سبحانه وتعالى ويفوض أمره
 إليه عزوجل

 
ثم بعد ذلك عمل الجوارح
يعني أنه يعمل بالأسباب التي أمر الله بها لأن التوكل على الله عز وجل في هذه الأمور الثلاثة :
[ العلم وعمل القلب ومباشرة الأسباب التي أذن الله بها ]
فاعتقاد القلب : هذا الإيمان بالله والعمل بالأسباب المشروعة : هذه تعتبر طاعة لله لأن
الله عزوجل الذي أمر بالتوكل أيضا أمر بمباشرة الأسباب التي أذن بها سبحانه وتعالى
كما قال عز وجل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ}
وأيضا يقول ربنا عز وجل في كتابهِ الكريم {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}
ويقول ربنا عز وجل{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}
يعني أن الله عزوجل أمر بمباشرة الأسباب والعمل بالأسباب فليس من التوكل على الله ترك العمل بالأسباب لأن الله عزوجل أمر بذلك فالذي يطعن في العمل بالأسباب هذا يطعن في الشريعة ويطعن في السنة  فالنبي صل الله عليه وسلم إمام المتوكلين ومع ذلك كان عاملا بالأسباب والمتوكلون في كتاب الله عز وجل هم العاملون
قال الله سبحانه وتعالى {نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} هذا هو التوكل وهذا حقيقة التوكل


قال المصنف رحمه الله تعالى ودليل التوكل قوله تعالى {وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } هذه الآية فيها دلالة على كون التوكل على الله عز وجل شرطا في صحة الإيمان لأن اللهَ يقول {وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} بدليل تقديم المعمول وهو [الجار  والمجرور] { وَعَلَى اللّهِ} 
ما هو العامل ؟ هو {فَتَوَكَّلُواْ} يعني كأن الله عز وجل يقول [توكلوا على الله لا تتوكلوا على غيره 
إنما توكلكم يكون بالله تبارك وتعالى  وحده ]
 { وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ } ولكن بشرط ما هو ؟ { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }
ويقول ربنا عز وجل في آية أخرى { وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ 
كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ } وأيضاً يقول ربنا عزوجل { وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
هذا يدل على أن الإيمان مربوط بالتوكل وأن التوكل مربوط بالإيمان فمن قوي توكله كان دليلا 
على قوة إيمانه ومن قوي إيمانه كان دليلا على قوة توكله على الله عز وجل
{ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } يدل على انتفاء الإيمان بانتفاء التوكل  ووجود الإيمان
 بوجود التوكل  وكلما قوي التوكل قوي الإيمان وكلما ضعف التوكل كان دليلا على ضعف الإيمان

وأيضا يقول المصنف رحمه الله وقوله { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ }  
يعني من توكل على الله عز وجل في حصول ما يرجوه وما يطمع فيه فالله عزوجل كافيه 
{ فَهُوَ حَسْبُهُ } بمعنى كافيه أي أن من توكل على الله عز وجل فيما يطمع فيه من زواج أَو 
وظيفة أو رزق أو ولد أو عمل من الأعمال من فوض أمره إلى الله واعتمد بقلبه على الله وعلم 
أن الله عز وجل هو مدبر الأمور فقال ربنا عز وجل { فَهُوَ حَسْبُهُ } يعني أن الله عزوجل يكفيه 
ويقوم بحاجته ويعطيه ما تمناه  ورجاه لكن لا بد أن يعلم العبد أن الله عزوجل قال ذلك وهو قادر عليه فإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وربنا عزوجل غالب على أمره كما قال ربنا تبارك وتعالى في هذه الآية { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ }  بمعنى أن قضاء الله عز وجل نافذ يعني إذا عمل هذا العبد فعليه أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى قد يؤخر تحقيق ما يريده لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى أن هذا أفضل للعبد

قال { إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } يعني أن الله عز وجل قادر وقضاؤه نافذ  ولكن قد يؤخر حصول بعض ما يتمناه العبد المؤمن بسبب علم الله عز وجل أن الأفضل لهذا العبد أنه يؤخر عن الزواج أو عن العمل أوْ عن الأمر الفلاني والأمر الفلاني هذا بالنسبة لهذه الآية الكريمة

وأما بالنسبة للتوكل فكما ذكر أهل العلم أن التوكل على أقسام
 القسم الأول هو : [ اعتماد القلب على غير الله عزوجل في أمر لا يقدر عليه إلا الله هذا يسمى عند بعض العلماء بـــــ : (توكل السر ) ]
وهذا هو التوكل الشركي الذي وقع فيه المشركون من عباد القبور  وغيرهم من الذي يرزق ؟
من الذي يُحيي ويميت من الذي يدفع عن المؤمن البلايا والفتن ؟ من الذي يدفع عنه المكروه ؟
 من الذي يثبته في الدنيا على الإيمان ؟ من الذي يثبته في قبره ؟ من الذي يثبته على الصراط ؟ 
من الذي يكون سببا في دخوله الجنة ونجاته من النار ؟ إنه الله عز وجل
فإذا اعتمد الإنسان على غير الله عز وجل في أمور لا يقدر عليها إلا الله هذا يعتبر من التوكل الشركي الذي يخرج به صاحبه من الملة ويكون به مشركا كافرا والعياذ بالله

 
النوع الثاني هو : [التوكل على غير الله عز وجل في أمور أقدرهم الله عز وجل عليها ] كتوكل 
بعض الناس على الرؤساء أو على المدراء أو على التجار أو على الذين بيدهم الأمر يتوكلون 
عليهم في المعاشات أو في الأرزاق أو في تحصيل مصالح الدنيا هذا يعتبر نوع شرك أصغر 
لماذا ؟ لميل القلب وقوة اعتماد القلب على هذا الإنسان وإن أقدره الله يعني ملك أو رئيس أو 
تاجر عنده المليارات لكن يوجد من الإنسان ميل واعتماد وقوة التفات إلى هذا الذي جعله الله 
عز وجل سببا هذا يعتبر نوع شرك أصغر لماذا ؟ لقوة اعتماد القلب في الالتفات إلى غير الله 
عز وجل هذا لا يجوز يعني لو كنت موظفا لا ينبغي أن يعلق إنسان قلبه بهذا الذي يعطيه 
المرتب بل عليه أن يعلم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأن الله عز وجل بيده خزائن السماوات والأرض وأنه متى ما اعتمد على الله فإنّه لن يأتيه من الرزق إلا ما قدره الله لا ما
 حرص عليه وأراده
قال الله عز وجل { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا } الشاهد من الآية : { مَا نَشَاءُ} لا ما يشاء العبد يعني أن العبد يتمنى أن يكون له
بيت واسع  وأَن يكون له الولد  وأن يكون له زوجة  وأَن يكون له من الصحه وأن يكون له من كذا وكذا مهما قدم  وعمل وجد واجتهد فإنه لن يجد إلا ما قدره الله له لا ما أراده هو قال الله عز وجل 
{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ }
{ مَا نَشَاءُ } لا ما يشاء العبد لأن بعضهم يحرص على الوصول إلى مطلب من مطالب الدنيا  ويضيع دينه ثم يقدر الله أنه لا يصل إليه ليس كل من تخلى عن دينه وأقبل على الدنيا فإنه 
ينالها بعضهم ينال وبعضهم لا ينال لأن الله يقول { مَا نَشَاءُ } ليس ما يريد العبد فلهذا  
اعتماد القلب على غير الله عز وجل على مخلوق ولوفي أمر أقدره الله عليه هذا التاجر أقدره 
الله على المال يستطيع أن يعطيك شهريا مالا أو الحكومة أو أي جهة هذا لا يجوز أن يكون 
هناك قوة التفات و اعتماد على هذا السبب بل قوة اعتماد القلب إنما تكون بالله والتفات 
القلب يكون إلى الله عز وجل لأن الله لو قدر أن هذا الراتب ينقطع هل يستطيع أحد أن يدفعه ؟ الجواب : لا لو قدر الله أن هذا الذي يعطف عليك ينفر عنك هل يستطيع أحد أن يعطف بقلبه عليك ؟ الجواب : لا
فلهذا فالعبد المؤمن الموحد لا يلتفت بقلبه إلى غير الله يعتبر هذا الذي يسره الله مجرد سبب وقوة قلبه وركونه وطمأنينته إنما هي بالله عز وجل هذا النوع الثاني ومتى ما حصل الخلل حصل نوع من الشرك الأصغر

 
النوع الثالث هو : [ الوكالة ]
 ليس التوكل إنما الوكالة وهى أن يُوكل الإنسان غيره في تحصيل مصلحة من مصالح الدنيا 
أن يشتري له متاعا أو أن يقوم له ببناء أو أن يحرس له مالا هذا من الوكالة وليس من التوكل 
لأن التوكل عمل قلبي لا يجوز أن يكون بغير الله  تبارك وتعالى  هذه وكالة والوكالة  جائزة 
بدلالة القرآن والسنة وإجماع الأمة قال الله عز وجل { فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى 
الْمَدِينَةِ } ويقول الله عز وجل فى شأن يعقوب { يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ }
وأيضا النبي صل الله عليه وعلى آله وسلم  وكل أناسا في حفظ الصدقات وفي جمعها  
وأيضا في ذبح الهدي وأيضا في إثبات الحدود وإقامتها وفي أمور كثيرة في البيع والشراء وغير
 ذلك وأجمع العلماء على صحة ما تسمى بـــــ : [الوكالة] هذا لا بأس به
 
فهذه أنواع ثلاثة وقد يذكر نوع رابع وهو : التوكل الذي هو : [ التعبد ]  أنك تتوكل على الله 
وتركن إلى الله وتفوض قلبك وتعلق قلبك بالله عز وجل هذا من أفضل وأجل أنواع العبادة  
وهو توكل الموحدين المؤمنين بالله تبارك وتعالى



هذا والله تعالى أعلى وأعلم  والحمد لله

وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق