حديثنا اليوم عن خُلق ذميم ووصف قبيح وذنب كبير يدل على ضعف الإيمان
وقسوة القلب
وقلة الأدب وإنعدام المروءة وانعدام الخوف والحياء من الله من يُبتلي به هتك ستر الله عليه
فخسر في الدنيا والأخرة إنه بلاء عظيم فالمجاهرة بالمعاصى والمنكرات
بأن يتبجح المرء
بمعصيته لله عزوجل ويُعلنها صريحة بلسانه ناسياً ومتناسياً حق الله وفضله فالمجاهرة
بالمعاصي والمنكرات: أن يرتكب الشخص الإثم علانية ويقع في المعصية
جهارا أمام أعين
الناس وأنظارهم بدون حياء
ولا خجل والمجاهرة كذلك أن يرتكب المرء المعصية سرا فيستره
الله عزوجل ولكنه يُخبر الناس بما
ارتكبه من الذنب والإثم مستهينا بستر الله له
تعريف
المجاهرة
المجاهرة في اللغة: الإظهار يقال: جاهره بالعداوة مجاهرة وجهاراً أظهرها والمجاهرون
بالفسق:
هم الذين جاهروا بمعاصيهم وأظهروها وكشفوا ما
ستر الله عليهم منها فيتحدثون به ]]
قال ابن
القيم: [ المجاهر
الذي يفتخر بالمعصية ويتكثر بها بين إخوانه وأضرابه والمجاهر الذي
لا تأمنه على مالك وحرمتك الفاحش اللسان البذيء
الذي تركه الخلق اتقاء شره وفحشه ]
وقال ابن
تيمية الفجور: [ اسم جامع
لكل متجاهر بمعصية أو كلام قبيح يدل السامع له على فجور
قلب قائله ]
مخاطر
المجاهرة بالمعاصي والمنكرات
المجاهرة بالمعاصي داء انتشر بين الناس في هذا الزمان فنحن في زمن أصبحت فيه المعصية وسيلة
للتفاخر وإظهار الشجاعة
والبطولة عند كثير من الناس يرتكبون المنكرات أمام أعين الناس ويفتخرون
بها ويتحدثون
بها في مجالسهم وكأنها رمز للتقدم والرفاهية والسعادة وما هي إلا انتكاسة وسقوط
وخزي وخسران وندامة فانتشرت الخمور والمخدرات وكثر أكل الحرام وتنوعت فيه الحيل شهادات
باطلة وأيمان
فاجرة وخصومات ظالمة غصب وسرقة ونهب لأموال العباد ظلما وعدوانا
نهارا جهارا انتشرت فاحشة الزنا والعلاقات المحرمة بين الذكور والإناث في الطرقات
بلا حياء ولا خجل كلام فاحش ساقط تسمعه في كل
مكان قطيعة
الرحم وعقوق الوالدين وسوء الجوار ترك للصلاة ومنع للزكاة ودعوة إلى الإفطار
علانية في
نهار رمضان
منكرات ظاهرة ومعاصي معلنة يفتخر بها كثير من الناس ويتبجحون بها ويدعون
إليها وهذا ما أخبر به
النبي ﷺ
فقال: [ إن الله لا يحب الفحش ] أو يبغض الفاحش والمتفحش قال: [ ولا تقوم
الساعة حتى
يظهر الفحش والتفاحش وقطيعة الرحم وسوء المجاورة وحتى يُؤتمن الخائن
ويُخون الأمين ]
وربنا سبحانه وتعالى يقول﴿لا يُحِبّ اللَّهُ
الْجَهْرَ بِالسّوءِ مِنَ الْقوْلِ إِلَّا مَنْ ظلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً
﴾
أي لا يحب
الله الفحش في
القول والإيذاء باللسان إلا المظلوم فإنه يباح له أن يجهر بالدعاء
ويقول عز وجل﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلهُ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدّ الْخِصَامِ
وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ
وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبّ الْفَسَادَ
﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ
بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ
المجاهرة بالمعاصي والمنكرات كبيرة من أعظم الكبائر وأخطرها فمن أظلم
الظلم أن يُسئ المرء
إلى من أحسن إليه وأن يعصيه في أوامره وأن يخالف تعاليمه ويزداد هذا
القبح وذاك الظلم حين يُعلن
المرء مخالفته ويُجاهر بها ولا يبالي ولا يخاف ولا
يستحي من ربه الذي يراه ويسمعه وهو الذي أحسن
إليه وجاد عليه وتكرم وتفضل سبحانه
بالمجاهرة بالمعاصي يكشف المرء ستر الله عليه
ويُعرض نفسه لسخط الله وغضبه وعقابه
فلا يزال المرء في سلامة
وعافية مادام أنه يذنب ويتوب إلى الله ما لم يُجاهر ويفاخر بمعصيته وذنبه
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله ﷺ يقول: [
كل أمتي مُعافى إلا المُجاهرين وإن
من المُجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم
يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت
البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه
ويصبح يكشف ستر الله عنه ]
[ متفق عليه واللفظ
للبخاري]
[ كل
أمتي معافى ] أي في عافية وسلامة من عفو الله وتجاوزه ومغفرته فهو العفو الغفور
سبحانه
[ إلا المجاهرين ] الذين يَجهرون بالمعاصي ويُظهرونها ويُعلنونها ويَفتخرون بارتكابها
فهؤلاء قد كشفوا
ستر الله عنهم واستهانوا بحق الله عليهم وعرضوا أنفسهم لغضبه وعقابه
ففي المجاهرة بالمعاصي دعوة للناس إلى الوقوع فيها واستصغارها
والاستهانة بها فحين ترتكب المعاصي
أمام أعين الناس ويُداوم أصحابها على ارتكابها يألفها الناس ويستصغرونها
ويحتقرونها حتى تشيع
وتنتشر فيصعب على المصلحين تغييرها وإزالتها وقد توعد الله تعالى من يسعى إلى نشر الفاحشة
والمنكر
بين الناس بالعذاب في الدنيا والآخرة فقال سبحانه
{ إِنَّ
الَّذِينَ يُحِبّونَ أنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ
أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ
لا تَعْلَمُونَ
} والذي يدعو الناس بحاله أو مقاله إلى الوقوع في
المعصية يتحمل مثل أوزار من تأثر
بدعوته واقتدى بأفعاله إضافة إلى وزره وإثمه فعن
أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:
[ من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص
ذلك من أجورهم
شيئا
ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا
]
[
رواه مسلم ] وهذه سنة الله تعالى في الأولين والآخرين
فالمجاهرة بالمعاصي والمنكرات سبب في الدمار والهلاك فما أعلن قوم المنكر وتجرؤوا على الله
بالمعاصي وتبجحوا بها إلا وأهلكهم الله وقضى عليهم ودمرهم ليستريح المستضعفون من شرهم وليكونوا
عبرة لمن
يأتي من بعدهم والمتأمل في سير الغابرين والأقوام السالفين يجد ذلك جليا واضحا فما الذي
أغرق قوم نوح بالطوفان؟ وما الذي أهلك عادا بريح صرصر عاتية؟
وما الذي أهلك ثمود بالصاعقة؟
وما الذي قلب على قوم لوط ديارهم وأمطرها بالحجارة
من السماء؟ وما الذي أغرق فرعون وجنده في اليم؟
إنها المعاصي والمجاهرة بها والتفاخر بها
وهذا ما حذر منه النبي صل الله عليه وسلم أمته فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
[
أقبل علينا رسول الله صل الله عليه وسلم: فقال: [
يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن
وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة
في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في
أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة
وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا
البهائم
لم يمطروا ولم يَنقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوا من غيرهم
فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا
جعل الله بأسهم بينهم ]
[ أخرجه ابن ماجه في سننه وحسنه
الألباني ]
وفي الصحيحين عن زينب بنت جحش زوج النبي صل الله عليه وسلم قالت: [ استيقظ النبي
صل الله عليه وسلم من
نومه وهو محمر وجهه وهو يقول: [ لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد
اقترب فتح
اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وحلق ]
قلت: [ يا رسول الله أنهلك وفينا
الصالحون؟ ] قال: [ نعم، إذا كثر الخبَث ]
وعن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: [ كان يقال: إن الله تبارك وتعالى لا
يعذب العامة بذنب الخاصة ولكن إذا عُمل المنكر جهارا استحقوا العقوبة كلهم] [
رواه مالك ]
أضرار كثيرة ومخاطر جسيمة نتيجةَ المجاهره بالمعاصي والمنكرات فما السبيل إلى وقاية النفس من هذا
الجُرم الكبير والإثم العظيم؟
حكم
المجاهرة بالمعاصى
المجاهرة
بالمعاصي منهي عنها لقول النبي صلى الله عليه وسلم [
كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من
المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان
عملت البارحة
كذا وكذا وقد بات يستره
ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه ]
قال النووي : [ يكره لمن ابتلي بمعصية أن يخبر غيره بها بل
يقلع عنها ويندم ويعزم أن لا يعود
فإن أخبر بها شيخه أو نحوه ممن يرجو بإخباره أن
يعلمه مخرجاً منها أو ما يسلم به من الوقوع في
مثلها أو يعرفه السبب الذي أوقعه
فيها أو يدعو له أو نحو ذلك فهو حسن وإنما يكره لانتفاء المصلحة ] وقال
الغزالي: [ الكشف
المذموم هو الذي إذا وقع على وجه المجاهرة والاستهزاء لا على وجه السؤال
والاستفتاء بدليل خبر من واقع امرأته في رمضان فجاء فأخبر المصطفى صلى الله عليه
وسلم فلم
ينكر عليه]
هل يجب هجر المجاهر بالمعصية ؟
ذهب الفقهاء إلى
مشروعية هجر المجاهرين بالمعاصي والمنكرات أو البدع والأهواء لحق الله تعالى
على سبيل الزجر والتأديب
قال الأمام أحمد: [
إذا علم أنه مقيم على معصية وهو يعلم بذلك لم يأثم إن جفاه حتى يرجع
وإلا كيف
يتبين للرجل ما هو عليه إذا لم ير منكراً ولا جفوة من صديق ]
وهجران المجاهرين بالمعاصي على مرتبتين: الهجران بالقلب والهجران باللسان فهجران الكافر بالقلب
وهجران المجاهرين بالمعاصي على مرتبتين: الهجران بالقلب والهجران باللسان فهجران الكافر بالقلب
وبترك التودد والتعاون والتناصر
واختلف الفقهاء في
حكم هجر الفاسق المجاهر بفسقه على ثمانية أقوال كالآتي
القول
الأول: يسن هجر من جهر بالمعاصي الفعلية أوالقولية أوالاعتقادية
وإلى هذا ذهب ابن مفلح
من الحنابلة
القول
الثاني: يجب هجره مطلقاً فلا يكلمه ولا يسلم عليه وهو
ظاهر ما نقل عن الإمام أحمد وبه قطع
ابن عقيل في معتقده وقال: ليكون ذلك كسراً له
واستصلاحاً
القول
الثالث: يجب هجره مطلقاً إلا من السلام بعد ثلاثة أيام
القول
الرابع: يجب هجره إن ارتدع بذلك وإلا كان مستحباً
القول
الخامس: يجب هجر من كفر أوفسق ببدعة أودعا إلى بدعة
مضلة أومفسقة على من عجز عن
الرد عليه أوخاف
الاغترار به والتأذي دون غيره أما من قدر على الرد أوكان ممن يحتاج إلى مخالطتهم
لنفع المسلمين وقضاء حوائجهم ونحو ذلك من المصالح فلا يجب عليه الهجر لأن من يرد عليهم
ويناظرهم يحتاج إلى مشافهتهم
ومخالطتهم لأجل ذلك وكذا من كان في معناه دون غيره وهو رواية عن
الإمام أحمد
القول
السادس: أن هجران ذي البدعة المحرمة أوالمتجاهر بالكبائر
واجب بشرطين
أحدهما: أن
لا يقدر على عقوبته الشرعية كالحد وبقية أنواع التعزير في كل شيء بما يليق به إذا كان
لا يتركها إلا بالعقوبة بحيث إذا قدر
على عقوبته بالوجه الشرعي لزمه وليس ذلك إلا لمن بسطت يده في الأرض هذا إذا لم يخف
منه أما إذا خاف منه إذا ترك مخالطته فعليه أن يداريه والمداراة هي أن يظهر
خلاف ما
يضمر لاكتفاء الشر وحفظ الوقت بخلاف المداهنة التي معها إظهار ذلك لطلب الحظ
والنصيب
من الدنيا
والثاني: أن
لا يقدر على موعظته لشدة تجبره أو يقدر عليها لكنه لا يقبلها لعدم عقل ونحوه أما
لو كان
يتمكن من زجره عن مخالطة الكبائر بعقوبته بيده إن كان حاكما أوفي ولايته أو برفعه للحاكم أو بمجرد
وعظه لوجب عليه
زجره وإبعاده عن فعل الكبائرولا يجوز له تركه بهجره وهو قول المالكية
القول
السابع: أن هجران أهل البدع كافرهم وفاسقهم والمتظاهرين
بالمعاصي وترك السلام عليهم فرض
كفاية ومكروه لسائر الناس وهو قول ابن تميم من
الحنابلة
القول
الثامن: أن الرجل إذا أظهر المنكرات وجب الإنكار عليه
علانية ولم يبق له غيبة ووجب أن يعاقب علانية بما يردعه عن ذلك من هجر وغيره فلا
يسلم عليه ولا يرد عليه السلام إذا كان الفاعل لذلك متمكناً
من ذلك من غير مفسدة
راجحة فإن أظهر التوبة أظهر له الخير وهو قول ابن تيمية
سبل
الوقاية من المجاهرة بالمعاصي والمنكرات
أولا: الخوف
من الله
فما من داء يصيب المرء في دينه إلا والخوفُ من الله تعالى علاجه والحياء من الله دواؤه فإذا سولت لك
نفسك أن تقع في
معصية أو تدعو الناس إليها فتذكر أن الله يسمعك ويراك وتذكر أنك ستقف بين يديه
وحيدا فريدا لا أحد يغني عنك
من الله شيئا فأين خوفك من الله؟ وأين حياؤك من الله؟ والله
تعالى يقول
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ
نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ
إِلَّا هُوَ
سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ
أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
إِنَّ
اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم [
استحيوا من
الله حق الحياء ] قال: قلنا:[ يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله ] قال: [ ليس ذاك ولكن الاستحياء
من الله حق
الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ولتذكر الموت ومن أراد الآخرة ترك
زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ] [
أخرجه الترمذي وحسنه الألباني ]
ثانيا: الإيمان
والعمل الصالح
فمن قوي
إيمانه وحسنت أعماله نجا من هذا الداء الذي لا يليق بمؤمن عاقل يخاف الله ويرجو لقاءه فعن
عبد
الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: [ ليس المؤمن بالطعانولا اللعان
ولا الفاحش
ولا البذيء] [ أخرجه الترمذي والبخاري وصححه الألباني ]
ثالثا
: تعلق
القلب بالدار الآخرة
فمن تعلق
قلبه بالدار الآخرة واشتاقت نفسه إلى نعيم الجنة منعه ذلك من التجرؤ على محارم الله فضلا
عن المجاهرة بانتهاكها قال
تعالى ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ
عُلوّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَة لِلْمُتَّقِينَ ﴾
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صل الله
عليه وسلم يقول:
[
إن الله يُدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره فيقول: أتعرفُ ذنب كذا أتعرف ذنب كذا؟
فيقول:
نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك قال: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها اليوم لك فيُعطى كتاب حسناته وأما الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد
﴿ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ
اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ ]
رابعا: الرفقة
الصالحة
فالمرءُ على دين خليله والصاحب ساحب فإياك أن تصاحب من يقودك إلى
معصية ويدعوك إلى منكر
فإنه لن يغني عنك من الله شيئا وستندم على مصاحبته عند لقاء
ربك { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ
عَلَى يَدَيْهِ
يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً* يَا
وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ
الذِّكْرِ بَعْدَ
إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً }
خامسا
: التخلق بخلق الستر
أن يستر
المرء نفسه وأن يستر على أخيه حتى لا تشيع الفاحشة وينتشر المنكر ويتجرأ الناس على
محارم الله عزوجل عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صل الله
عليه وسلم قام
بعد أن رجم الأسلمي فقال: [ اجتنبوا هذه
القاذورة التي نهى الله عنها فمن ألم فليستتر بستر الله وليتب
إلى الله فإنه من
يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله عزو جل] [ أخرجه الحاكم والبيهقي ]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
صل الله عليه وسلم قال: [
لا يستر عبد عبدا في الدنيا
إلا ستره الله يوم القيامة ] [
رواه مسلم ]
وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال:
[
المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن
فرج
عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله
يوم القيامة ]
علينا أن نتقى الله ونتحلى بمكارم الأخلاق وجميل
الخصال ومحاسن الأفعال ونجتنب مساوئَ الأخلاق
وقبيح الخصال نتوب إلى ربنا من ذنوب تمنع نزول الغيث ونقلع عن
مظالم تحجب أبواب البركة ونؤدى الحقوق إلى أصحابها ونرد المظالم إلى أهلها مروا
بالمعروف وننهى عن المنكر ونصلح ذات بيننا
ونحسن تربية أبنائنا ونبر أبائنا ونصل أرحامنا نقيم الصلاة ونؤتى الزكاة ونتناصح ونتصافح ولا نتحاسد ولا نتباغض ونكون
عباد الله إخوانا
نسأل الله تعالى أن يغفر ذنوبنا وأن يستر عيوبنا وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا
وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا يا مولانا
من الراشدين اللهم فرج هم المهمومين من
المسلمين ونفس كرب المكروبين واشف مرضانا ومرضى
المسلمين أجمعين يا رب العالمين
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع
العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقنا عذاب النار
هذا والله تعالى أعلى وأعلم
وصل الله وسلم على نبينا محمد وأل بيته وصحابته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق