المصنف
رحمه الله يقول [فإذا قيل لك ما الأصول الثلاثة التى يجب على الإنسان معرفتها ؟ ]
ثم أخبر أنها [ معرفة العبد ربه ودينه ونبيه ]
يوجد هنا
سؤال هل هذا يُعد تكرار من كلام المصنف رحمه الله ؟
لأنه فى أول
الرسالة ذكر أن العلم هو معرفة العبد ربه ونبيه ودين الإسلام بالأدلة
بعض
العلماء قال إن المصنف رحمه الله فَصَل
بعدما أجمل وذكر هذه الأصول في أول الرسالة ثم شرع
في تفصيل هذه الأصول الثلاثة والقواعد العظيمة
ومنهم من قال
إن هذا ليس من كلام المصنف يعني في أول الرسالة ليس من كلام المصنف في هذه الرسالة إنما
أدرجه بعض الطلاب من كلام المصنف في بعض المواضع
الأخرى تتميما للفائدة يعني كان الأول من باب
التوطئة والتمهيد ثم جاء الموضع الذي بدأ المصنف رحمه
الله يُفصل هذه الأصول الثلاثة
قول المصنف رحمه
الله [فإذا قيل لك ما الأصول الثلاثة التى يجب على الإنسان
معرفتها ؟ ]
يعني يجب على
كل مسلم ومسلمة أن يتعرف على هذه الأصول الثلاثة وأن يعرف مدلولها ومعناها ويعمل
بمقتضاها ويلازمها
[ التى يجب على الإنسان معرفتها ]
أى هذه الأصول الثلاثة وهى [ معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمد صل الله
عليه وسلم ] وهى الأصول التى يحتاج
إليها المسلم فى دنياه فلا
يُقبل له عمل ولا يُرفع له ثواب ولا ينتفع فى قبره وفى
يوم بعثه ونشوره إلا بمعرفة هذه الأصول
والعمل بلوازمها فهذه
الأصول الثلاثة [
معرفة العبد ربه ودينه ونبيه ] يحتاج لها فى الدنيا ويحتاج لها
فى قبره لأنها الثلاثة أسئلة التى يُسئل عنها كل
عبد وأيضاً فى يوم بعثه ونشوره لا يكون ثُقل الميزان ولا
دخول الجنة والنجاة من النار إلا لمن حقق هذه
الأصول الثلاثة
[ معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمد صل الله
عليه وسلم ] تقدم معنا شرح هذه العبارة
[ معرفة العبد ربه ]
هذا أمر مهم جداً أن يعرف الإنسان معبوده سبحانه
وتعالى بما أخبرنا به ربنا عز وجل فى كتابه وعلى لسان نبيه صل الله عليه وسلم ومن خلال الأيات
الشرعية والكونية وهكذا [ معرفة دين الإسلام ]
الذي تعَبدنا الله به والذي لا يقبل دينا سواه وأيضا
[ معرفة
نبينا محمد صل الله عليه وسلم ] الذي هو الواسطة بيننا وبين الله
في تبليغ
رسالته هذه أمور مهمة وقواعد عظيمة يحتاج إليها
كل مسلم
قال [ فإذا قيل لك : ما الأصول الثلاثة التي يجب
على الإنسان معرفتها ؟
فقل: معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمداً صل
الله عليه وسلم ]
ان
المصنف أكثر من السؤال وهذه طريقة
معروفة للمصنف رحمه الله أنه يأتي بالمسائل والقواعد
ويأتي بالأمور التي يريد أن يقررها على طريق السؤال والجواب وهذه طريقة نافعة فإنها
تُحمل المستمع على أن يُشَد ذهنه وعلى أن ينتبه لما يُلقى عليه لأنك
لو تريد أن توصل المعلومة هكذا ابتداء قد يحصل
فتور وملل وكسل وعدم انتباه لكن أحيانا تريد أن توصل المعلومة بطريق السؤال تقول [ عندي سؤال: من هو كذا وكذا ؟ ما هو الدليل على كذا ؟ ]
فالذي يعرف عرف والذي لا يعرف ينتبه لأنه قد طرح السؤال ويبقى وضع الجواب وهذه طريقة نبوية فعلها النبي صل الله عليه وعلى آله
وسلم أنه كان كثيرا ما يُلقي على أصحابه الأسئلة ثم يأتيهم بالجواب مثال :
قال
النبي صل الله عليه وسلم [ أتدرون ما
الغيبة ؟ ] وقال : [ أتدرون من المفلس ؟ ]
وقال : [ أتدرون أى الكبائر أعظم ؟ ] وأيضا يقول النبي
صل الله عليه وسلم : [ هل تدرون ماذا قال ربكم الليلة ؟ ]
وأيضا حينما قال إن هناك شجرة مثلها مثل المؤمن
فما هي هذه الشجرة ؟ وأدلة كثيرة فيها سؤال النبى صل الله عليه وسلم لأصحابه
ثم يأتيهم بالجواب فهذه
الطريقة نافعة لأن حتى على مستوى المحاضرات
والدروس والكلمات
فعلى مستوى
الدروس خاصة إذا كان الإلقاء مستمرا قد يأتي بشيء
من الملل والغفلة للمستمع لكن لو تخلل هذه الدروس
والمواعظ شيء من الأخذ والعطاء والسؤال والجواب فإنه يجعل المستمع مشدودا ومنتبها لما يلقى عليه
قال : [ فإذا قيل لك : من ربك ؟ ]
هذا
الأصل الأول : [ فإذا قيل لك : من ربك ؟ ]
أي : من معبودك ومن خالقك ورازقك وفاطرك ومن مليكك ومدبر أمرك
[ فإذا قيل لك من ربك ؟ فقل ربى الله الذى ربانى
وربى جميع العالمين بنعمه ]
فإذا
قيل لك من ربك ؟ أي من خالقك ورازقك ومعبودك ؟ فقل
ربي الله خالقي ورازقي ومدبر أمري
ومعبودي أي مألوهي هو الرب سبحانه وتعالى وحده لا شريك له
[فقل ربى الله الذى ربانى وربى جميع
العالمين بنعمه ]
رباني
بمعنى : أوجدني من العدم وربانى بمعنى : حباني
بالنعم فربنا عز وجل هو الذى أوجد الإنسان من
العدم يقول تبارك وتعالى { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ
الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا } وأيضا هو الذي حبى خلقه جميعا بالنعم الظاهرة والباطنة وأعظم هذه النعم التي حبى بها عباده ما حبى به خواص خلقه وهم
الأنبياء وأتباع الأنبياء
حباهم
بنعم الدين والعقيدة الصحيحة والعبادة السليمة والأخلاق الفاضلة والعلوم النافعة هذه من أعظم ما ربى به ربنا
عز وجل خواص خلقه أما عموم الخلق فيصبحون ويمسون وهم في نعم الله تبارك وتعالى من
حيث الأكل والشرب والصحة ودفع الكوارث والمصائب والعقوبات هذه يشترك فيها الجميع أما خواص
الخلق وهم الأنبياء وأتباعهم فالله خصهم بنعم الدين كما تقدم
قال : [فقل ربى الله الذى ربانى ]
يعني كما قال
بعض الشراح أنه يُفهم من كلام المصنف رحمه الله أن [ الرب ]
مأخوذ من [ التربية ] وهي : الرعاية
[
فقل ربى الله الذى ربانى وربى جميع العالمين بنعمه وهو معبودي ليس لي معبود سواه]
والدليل قوله تعالى { الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وكل من سوى الله عالم وأنا واحد من ذلك العالم ]
يعني
الدليل على أن الله عز وجل هو الخالق والرازق والمدبر وهو
المعبود سبحانه وتعالى وهو الذي ربى جميع
العالمين بنعمه هذه الآية الكريمة { الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
فالحمد هو :
الثناء على المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله أما الثناء
المجرد من الحب والتعظيم فهذا يسمى مدحا إذا مدح بدون محبة ولا
تعظيم ولا تأله هذا يقال له مدح أما مع المحبة والتعظيم والتأله هذا يقال له ماذا ؟ يقال
له : حمد والحمد
لا يستحقه أحد إلا الله عز وجل لا يمكن أن يحمد
على النعم هذه إلا الله سبحانه وتعالى
فقوله
{ الْحَمْدُ
للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [ رب ] مضاف و [ العالمين ] مضاف
إليه
قال المصنف : [ وكل من سوى الله عالم وأنا واحد من ذلك العالم ]
يعني أن الوجود
على قسمين : إما رب وإما
مربوب فالرب هو الله سبحانه وتعالى والمربوب هو جميع المخلوقات وهي
مفطورة و مخلوقة ومسخرة ومسيرة من الله عز وجل السموات والأرض والليل والنهار والجبال والبحار والأنهار والأشجار والأحجار
والحيوانات وسائر الكائنات والإنس والجن هؤلاء
كلهم من العالمين لأن
المصنف يقول [
وكل من سوى الله عالم وأنا واحد من ذلك العالم ] أي الذي رباه الله بالنعم وأوجده وخلقه وأمره بعبادته
يقول
المصنف رحمه الله [ فإذا قيل
لك : بم عرفت ربك ؟]
يعني
على أي شيء استدللت على أن ربك عزوجل هو الخالق
وهو الرازق وهو المعبود سبحانه وتعالى الذي لا
يجوز أَن تصرف العبادة إلا له ؟ [ فإذا قيل لك : بم عرفت ربك ؟]
ما هو الدليل ؟ وما هو البرهان ؟
قال : [ بأياته ومخلوقاته]
يعني
أن الإنسان يستطيع أن يعرف أن ربه عز وجل هو
الخالق وهو الرازق وهو المدبر
لهذه
الآيات وهذه المخلوقات
الآيات إما أن يكون المراد بها الآيات الكونية والآيات الشرعية
الآيات الكونية هي : المخلوقات والآيات الشرعية هي : الوحي الذي
أنزله الله عز وجل على نبيه
والمخلوقات
هي : الأشياء الموجودة من العدم التي خلقها الله
إذن
إما أن يكون المراد بالآيات : هي الآيات الكونية
والآيات الشرعية وعلى هذا فيكون عطف المخلوقات على الآيات من عطف الخاص على العام إذا أراد بالآيات هي الآيات الكونية فيكون من عطف الشيء على مثله قال (بآياته ومخلوقاته)
هذا جيد أن يقال أن المراد بالآيات هي الآيات الكونية فيكون
عطف المخلوقات على الآيات من عطف الشيء على نفسه
فهو متغاير في اللفظ وهو
بمعنى واحد من حيث المعنى ومن حيث اللفظ يعني مثل
ما قال القائل [ فألفى قولها كذبا ومينا ] والكذب
هو بمعنى المين
فإذا
أراد المصنف رحمه الله بالآيات : (الآيات الكونية ، والآيات الشرعية) فيكون عطف المخلوقات على الآيات من عطف الخاص على العام وأما إذا كان مراد المصنف رحمه
الله بالآيات هنا هي الآيات الشرعية فيكون من العطف المباين يعني أن
المخلوقات
غير الآيات لأن
المصنف أراد بالآيات الآيات الشرعية وهو الوحي والمخلوقات هي المخلوقات فلا
إشكال في عطف المصنف رحمه الله للمخلوقات على الآيات لأنه كما ذكرنا على أحد
أمرين إما أن المراد بالآيات الكونية والشرعية فهو
من عطف الخاص على العام أو المراد بالآيات الآيات
الشرعية فهو من العطف المباين أي : المغاير
قال : { وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ
وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ }
الآية
المراد بها : العلامة والدليل والبرهان يعني
الليل والنهار والشمس والقمر من
أعظم الآيات
الدالة على قدرة الله عز وجل وعلى خلقه وعلى تدبيره فمن
نظر إلى الشمس والقمر ومن نظر إلى الليل والنهار استدل بذلك على عظمة الله تبارك
وتعالى وعلى قدرة الله عز وجل
{ وَمِنْ آيَاتِهِ : اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ
}
الليل
يأتي بظلامه فيمحو ضوء النهار وأيضا النهار يأتي
بضياءه فيبلد ظلام الليل
وما فيه من المنافع للناس الليل فيه السكون وفيه الهدوء وفيه الراحة والنوم للناس
وهكذا النهار فيه الضوء ويخرج الناس لأجل معاشهم ويخرجون لمزاولة
أعمالهم ولهذا يقول ربنا عز وجل { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً
لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ
وَالْحِسَابَ } وأيضا يقول ربنا عز وجل
{ وَهُوَ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ
النَّهَارَ نُشُورًا } ويقول ربنا عزوجل {
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا
تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ
سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ
بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } فهذه من آيات الله العجيبة [ الليل والنهار ]
المتجددان المستمران على هذا النظام وعلى هذا الترتيب يأتي
النهار ويعقبه الليل ثم يذهب الليل ويأتي النهار
وأيضا من آياته العظيمة [ الشمس والقمر ]
فالشمس
آية عظيمة من آيات الله تبارك وتعالى في حجمها وفي ضوءها
ونورها
في
سيرها وانتظامها وأيضا القمر في حجمه وضياءه ونوره وجماله وسيره المنتظم
قال
ربنا عز وجل { لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ
الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }
الشمس
والقمر من آيات الله العظيمة والعديدة الشمس فيها المنافع الحرارة والضوء فيه
منافع للبحار ومنافع للأنهار ومنافع للإنسان ومنافع
للزروع والثمار والنباتات ومنافع عظيمة وعديدة وهكذا
القمر فيه منافع في ظلمة الليل في ضوءه يسير عليه السائرون
في ظلمات البر والبحر وهكذا
جمال في السماء فهذه كلها من آيات الله العديدة
قال : [ ومن مخلوقاته السماوات السبع والأرضون
السبع ومن فيهن وما بينهما ]
أيضا من هذه
الأشياء التي يستدلُ بها على خلق الله وعلى قدرته وعلى
تدبيره هذه السموات السبع وهذه الأرضون
السبع السموات
السبع في اتساعها وفي ارتفاعها وفي وجود الأفلاك والنجوم فيها
وأيضا
الأرضون السبع في تذليلها وفي تسطيحها وأيضا في
ما أودع الله فيها من الجبال والأنهار والبحار
والأشجار وعموم الكائنات هذه من مخلوقات الله العجيبة
[ السماوات السبع والأرضون السبع ]
هذا
كله يدل على أن الله عز وجل هو
رب العالمين سبحانه وتعالى الذي لا يجوز أن تصرف
العبادة لغيره ثم استدل المصنف
رحمه الله بهاتين الآيتين { وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ }
يعني إذا عرفت أن الليل والنهار والشمس والقمر
من مخلوقات
الله العظيمة ليس معناه أنك تسجد لهن أو تصرف
العبادة لهن بل
{ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ
إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } يعني
من عرف عظمة هذه المخلوقات
عرف عظمة
الخالق لها والموجِد لها سبحانه وتعالى
وأيضا
الآية الثانية { إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ }
معلوم أن في ستة أيام خلق الأرض وما فيها في أربعة أيام وخلق
السماء في يومين كما قال ربنا عز وجل { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي
خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ
الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا
وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ *
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ
ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ
سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ } يعني خلق الأرض وخلق الجبال والأنهار والبحار والأشياء كان في أربعة أيام
وأما السماء فكان في يومين
قال { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى
عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً }
يعني كلما ذهب
الليل جاء النهار وكلما ذهب
النهار جاء الليل {
يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ
اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } تبارك بمعنى كثر خيره وتعالى سبحانه وتعالى بهذه الصيغة لا
يصلح إلا لله عز وجل لا
يقال
في مخلوق تبارك فلان إنما يقال مبارك
أو بارك الله فيه أما لفظة تبارك وهي من صيغ المبالغة
تبارك تفاعل بمعنى :
انكثر وانعظم فهذه لا تليق إلا بالله عز وجل
فإذا
قال قائل لماذا أطلق المصنف رحمه الله على الليل والنهار وعلى الشمس
والقمر
بأنها (آيات) مع أن هو أطلق على السموات والأرض (مخلوقات) مع أن
السموات
والأرض أيضا وصفها ربنا عز وجل أنها من الآيات كما قال الله
{ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ} ؟
فهنا
قال بعض الشُراح : أن الفرق بين الآيات وبين
المخلوقات أن [ الآيات ] هي الشيء العجيب يعني الليل والنهار والشمس والقمر هي من مخلوقات الله عز وجل لكن
فيها شيء عجيب ودقيق يحمل الأعرابي أَو العربي على الانتباه أكثر من
انتباهه للسموات والأرض لأن السموات والأرض مخلوقات ثابتة يصبح ويمسي على
وجود السماء فوق رأسه وعلى الأرض التي يطؤها بقدمه بخلاف
الليل والنهار وبخلاف
الشمس والقمر فهذا التحرك يُحِمل الإنسان على
التفكر وعلى التأمل يعني
أنه ينظر إلى هذا الليل أين
ذهب ؟ ثم يأتي النهار
فيقول أين ذهب النهار ؟ وأيضا
جريان الشمس والقمر هذا فيه سر بديع وعجيب
ولهذا يقول بعض الشراح أنه فرق المصنف بين (الآيات)
وبين (المخلوقات) لأجل
أن اعتبار المخاطب بالليل والنهار وبالشمس والقمر أعظم
من اعتباره بخلقه للسموات والأرض مع أنها كلها من
المخلوقات العظيمة والمتعددة هذا فقط مجرد قول وتنبيه
وقد لا يكون الأمر كذلك لأن
الله يقول { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ويقول ربنا عز وجل { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ
} يعني سيقت مساقا واحدا
هذا والله تعالى أعلى وأعلم
وصل الله على نبينا محمد وأل بيته وصحابته
وسلم تسليماً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق