12/09/2016

الدرس الثامن

الشرح

قال [ وأنواع العبادة التى أمر الله بها ]
تم شرح هذه العبارة فى الدرس السابق
و أعلى مراتب العبادة هي هذه الأشياء الثلاثة  الإسلام بأركانه من الصلاة والصوم والحج
هذه أرفع أنواع العبادة والإيمان بأعماله مثل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله هذه من
العبادة وأيضا الإحسان وهو :  [ أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ]
فهذه أعلى مراتب العبادة
قال  [مثل الإسلام والإيمان والإحسان  ]
أن هذه أعلى مراتب الدين وأرفع وأجل أنواع العبادة ولم يتعرض الشيخ محمد بن عبدالوهاب
رحمه الله لتفصيلها لأنه سيأتى الكلام عنها مفصلاً فى الموضع الذى ذكره المؤلف رحمه الله 

قال [ ومنه الدعاء والخوف ... إلى أخره ]
 ذكر المصنف رحمه الله هذه الأنواع وهذه بعض من أنواع العبادة التي أمر الله بها والتي يتعبد المتعبدون بها لله عزوجل وهذه التى ذكرها المصنف ليست على وجه الحصر وليست على وجه الخصوص وإنما بعضاً منها
يسئل سائل ما هو السر فى تخصيص المصنف رحمه الله لهذه الأصناف بالذكر دون غيرها وأنواع العبادة كثيرة ؟ الجواب : أن المصنف رحمه الله  إنما خص هذه الأنواع لأن هذه الأنواع هي التي صرفها عباد القبور لغير الله وأشركوا فيها معه غيره فلهذا خصها المصنف رحمه الله  بالذكر وبالتفصيل وذكر الأدلة وإلا فكما هو معلوم أن جميع أنواع العبادة لا يجوز صرفها لغير
الله وأن من يصرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر والله أعلم

قال بعد أن ذكر الأنواع على سبيلِ الإجمال [ وغير ذلك من أنواع العبادة التى أمر الله
بها كلها لله تعالى ]
 يعني لا يجوز صرف شيئاً منها لغير الله عزوجل لأن الله سبحانه وتعالى وحده هو الذي يستحق العبادة وأن من كان غيره ودونه فهو عبد لله عز وجل

قال والدليل قوله تعالى { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً }  

{ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} تقدم أن فيها تفسيرين لأهل العلم وهما
القول الأول : أن المساجد بمعنى مواضع العبادة وهي البيوت التي بنيت لأجل عبادة الله
عزوجل {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} فمعناه فلا تعبدوا فيها غيره إذا كانت هذه البيوت إنما بنيت لأجل عبادة الله عز وجل فلا تعبدوا فيها غيره هذا التفسير الأول  وهو قول الجمهور من أهل العلم ثبت عن ابن عباس وجماعة من السلف وهذا أقرب القولين أن المراد بالمساجد أنها مواضع العبادة فإذا كانت المساجد لله وإنما بنيت لأجل إقامة ذكر الله فالشرك
 فيها شديد وعظيم وفظيع أن تكون هذه المواضع إنما بنيت لأجل إقامة التوحيد وعبادة الله
وحده ثم يشرك فيها غير الله عزوجل وعلى هذا المعنى فــــ : (المساجد) جمع ماذا؟
 مسجد بكسر الجيم


القول الثاني : أن المراد بالمساجد هي مواضع السجود يعني أعضاء السجود بمعنى أن الله أنعم عليكم بهذه الأعضاء أعضاء السجود وهي [الجبهة والكتفان واليدان والقدمان ] فلا تسجدوا بها لغير الله أَو لا تستعملوها في السجود لغير الله عزوجل هذا قول طائفة من السلف وأيضا جماعة من أئمة اللغة فعلى هذا (مساجد) يكون جمعا لماذا؟ لمسجد  بفتح الجيم إذا قلنا أنها أعضاء السجود فهي بفتح الجيم وقوله عزوجل {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً } يعني على
كلا القولين ففي الآية دليل على وجوب إفراد الله عزوجل بالعبادة لأن قوله {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} يشمل نوعي الدعاء وهو : [ دعاء المسألة و دعاء العبادة ] { فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} إذا قلنا بأن المراد [ دعاء المسألة ] أي فلا تسألوا مع الله أحدا وإذا كان المراد [ دعاء العبادة ] أي فلا تعبدوا مع الله أحدا وإنما أضيفت المساجد لله عزوجل على سبيل التشريف وعلى سبيل التكريم وتضاف إلى غير الله عزوجل على سبيل التعريف يعني يقال [ هذا مسجد فلان أومسجد آل فلان ] فهذا على سيبل التعريف أما إذا أضيفت إلى الله فهذا على سبيل التكريم والتشريف مثل ما يقال
[ بيت الله  و كعبة الله ] وهكذا وكلمة [أحدا] نكرة فى سياق النهى فيفيد العموم يشمل الأنبياء والصالحين والملائكة والجن والأشجار والأحجار وغير ذلك مما تُعبد من دون الله تبارك وتعالى

قال  
[ فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر ]
يعني من صرف نوعاً من أنواع العبادات المذكورة أو شيئاً لغير الله عز وجل فهو مشرك كافر وهذا يدل على أن من دعا غير الله من الأموات والمغيبين أو رجاهم رجاء العبادة أو خاف منهم خوف السر أوذبح أونذر أوغير ذلك من الأنواع التى ذكرها المصنف رحمه الله فإنه يعتبر مشرك كافر[ فمن صرف منها شيئاً ] الضمير يعود إلى ماذ؟ إلى أنواع العبادة التي ذكرها المصنف رحمه الله وكلمة [شيئاً]  شيء نكرة في سياق الشرط فتفيد العموم
[ من صرف منها شيئاً ] ولو كان قليلاً لغير الله عز وجل فهو مشرك كافرهذا يدل على أن الشرك بمعنى الكفر لأنه قال [ فهو مشرك كافر ] هذا هو المشهور أن الشرك يأتي بمعنى الكفر وأن الكفر بمعنى الشرك وبعض أهل العلم خص الشرك بالتوجه إلى المعبودات من دون الله كالقبور أَوالأشجار أَوالأحجار من توجه إليها من دون الله هذا يقال له مشرك وأما الكافر فهو مأخوذ من الجحود والإنكار والعناد ولا يطلق على من لم يشرك بإنه مشرك وإنما يقال كافر يعني إذا لم يدع ولم يندد مع الله يقال له كافر يقال له كافروأما الذي يتخذ له معبوداً من دون الله يحبه مع الله أو يعبده مع عبادته لله هذا يقال له مشرك وكما تقدم أن القول المشهور أن الشرك والكفر يكونان بمعنى واحد يأتى أحدهما في موضع الآخر

قال والدليل قوله تعالى {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلهاً آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ
إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ }
  يعني الدليل على من صرف شيئا من أنواع العبادة لغير الله فهو مشرك كافر{ وَمَنْ يدعُ }
بمعنى [ومن يعبد]  ما وجه الدلالة من الآية ؟ {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلهاً آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِه} يعنى
[من يعبد مع الله إلها آخر لا برهان له به] قوله {لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِه} يقول أهل العلم هذه صفة كاشفة وليست صفة مقيدة فالصفات على قسمين[ صفة كاشفة و صفة مقيدة ]
فمعنى الآية { وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلهاً آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِه } أن جميع من يعبدون غير الله فإنما يعبدونه بغير برهان وبغير حجة ولا بينةهذه صفة وحال المشركين مع الله عزوجل أنهم يعبدون غير الله بدون بينة وبدون برهان وبدون حجة ولو زعموا غير ذلك وليس المراد من الآية أن من دعا مع الله غيره وعبد غيره وكانت عنده بينة وبرهان وحجة فلا بأس ليس المراد من الآية ذلك  وإنما المراد بيان أن جميع من يعبدون غير الله ويشركون مع الله غيره فإن حالهم وواقعهم أنهم ليست عندهم بينة ولا حجة ولا برهان { فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ}أي أن الله يحاسبه حساباً ليس كأى حساب بل هو حساب شديد وعظيم يؤدى به إلى الهلاك { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } هذا إِخبار من الله عزوجل أن الكفار والمشركين هالكون خاسرون وليسوا بمفلحين إنما الفلاح لأهل الإيمان وأهل التوحيد الخالص كما قال الله عز وجل {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ }ويقول النبى صل الله عليه وسلم وهو يتخلل بعض أسواق العرب [قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ]علق النبي صل الله عليه وسلم الفلاح على النطق بهذه الكلمة مع معرفة معناها والعمل بمدلوها والقيام بلوازمها

قال المصنف رحمه الله  وفى الحديث [ الدعاء مخ العبادة ]  
هذا الحديث بهذا اللفظ ضعيف من طريق ابن لهيعة وفيه عنعنة الوليد بن مسلم ويغنى عنه حديث النعمان بن بشير مرفوعا عن النبي صل الله عليه وسلم بلفظ [ الدعاء هو العبادة ] أما
هذا الحديث الذي ذكره المصنف وهو حديث : [ الدعاء مخ العبادة ]   يعني مخ الشيء هوخالصه وهذا الحديث كما تقدم ضعيف ويغني عنه الحديث الآخر : [ الدعاء هو العبادة ] إذن معنى الحديث أنه لا عبادة إلا بالدعاء أو العبادة مقصورة ومحصورة فى الدعاء لعظيم شأن الدعاء وفضله
قول النبي صل الله عليه وسلم [ الدعاء هو العبادة ] هذا شروع من المصنف رحمه الله بذكر الأدلة على أنواع العبادة التي مثل بها وهذا يدلنا على أن الدعاء عبادة من العبادات وأنه لا يجوز صرفه لغير الله ومن صرف العبادة لغير الله فهو مشرك بدلالة الأية التى ذكرها المصنف وأيضاً قوله عزوجل {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} وأيضا {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} وأيضا قوله عزوجل {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} هذه الأدلة مع الآية التي ذكرها المصنف {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلهاً آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ }هذه الآيات الأربع  مع الأية التى ذكرها المصنف فيها دلالة على أن من عبد غير الله ودعا مع الله غيره أنه كافر وأنه مشرك

إذن عرفنا أن من صرف شيئا من العبادات لغير الله فهو كافر ومشرك فما هو الدليل على أن الدعاء عبادة ؟ قال المصنف رحمه الله والدليل قوله تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ]
 أي أن هذه الآية فيها دليل على أن الدعاء عبادة من العبادات ما هو وجه الدلالة من هذه الآية على كون الدعاء عبادة من العبادات ؟ وجه الدلالة من هذه الآية على ذلك أن الله عزوجل قال
{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي} ثم قال بعد ذلك {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } فأطلق على الدعاء بأنه عبادة هذا يدلنا على أن الدعاء عبادة من العبادات فمن صرفه لغير الله فهو مشرك ومما يدل على أن الدعاء عبادة أيضا قوله عزوجل {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} يعني الشاهد من الآيتين قولهُ {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو} ثم قال {وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} الحاصل أن الدعاء عبادة لا يجوز صرفه لغير الله والدعاء الذي هو عبادة هو المقرون بالرغبة والرهبة وهو المقرون بالحب والخضوع أما دعاء الحي في أمر يقدر عليه هذا ليس بعبادة ولا يكون هذا الدعاء شركا بالله عزوجل إذا دعا شخصا آخر إلى وليمة دعاه إلى عمل دعاه للمجيء يقول [ يا فلان أدعوك إلى كذا إلى حضور وليمتي أَوالحضور معنا إلى العمل  أَو الحضور إلى المنزل أَو يدعوه من بعيد حتى يكلمه ] ليس بدعاء عبادة ولا يكون شركا بالله عزوجل لقول النبي صل الله عليه وسلم
 [ من دعاكم فأجيبوه ] وأيضاً يقول النبى صل الله عليه وسلم في حقوق المسلم على المسلم [وإذا دعاك فأجبه ] فبعض الناس يقولون كيف أنا لو قلت [يا فلان أدعوك إلي ] هل هذا دعاء ؟ يجيب البعض ملبسين على الناس نعم هذا دعاء و يقولون : [من دعا مع الله غيره فهو مشرك] يجعلون من هذا اللفظ كفرا والجواب : أن هذا غير صحيح لأن أهل السنة يقسمون الدعاء إلى أقسام
 
القسم الأول : الدعاء للحي فيما يقدر عليه هذا لا بأس به هذا ليس من الشرك لأنَ هذا الدعاء ليس بدعاء عبادة
 
القسم الثانى : أن يدعو الحي في أمر لا يقدر عليه إلا الله هذا كفر وشرك بالله عزوجل لأنه
 إذا دعاه في أمر لا يقدر عليه إلا الله هذا يدل على أنه يعتقد أن له تصرفا وأن له شيئا من الأمر والتدبيروالتصريف يعني مثلا يقول للحي [ أجعل ما في بطن امرأتي ذكراً ] أو يطلب منه زحزحة الجبال أو إنزال المطر أو دفع الرياح أوشيئا من ذلك في الأمور التي لا يقدر عليها إلا
الله هذا شرك أكبر بالله وأيضا دعاء الميت مطلقا بدون تفصيل هذا يعتبر من الشرك الأكبر لأنَه لا يدعو الميت ويطلب منه أي طلب إلا وهو يعتقد أن له تصرفا في الكون وأن له قوة خفية يستطيع أن يلبي من خلالها
إذن فعندنا ثلاثة : الأمر الأول : أن يدعو الحي في أَمر يقدر عليه هذا لا بأس به والأمر الثاني  أنه يدعو الحي في أمر لا يقدر عليه إلا الله فهذا شرك أكبر والأمر الثالث : أنه يدعو الميت دعاء مطلقا  لأن الميت في عالم آخر في عالم البرزخ لا يجوز أن يدعى ومن دعاه بأي أمر من الأمور هذا يدل على أنه يعتقد أن له تصرفا في الكون فلهذا يعتبر مشركاً الشرك الأكبر ويخرج بذلك من الملة نسأل الله عز وجل السلامة والعفو والعافية والحمد لله


هذا والله تعالى أعلى وأعلم

وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه تسليماً كثيراً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق