11/26/2016

قيام الليل


في هذا اللقاء سوف نتكلم عن عبادة هذه العبادة أصبحت منسية عند كثير من المسلمين بل أصبح كثير 
من المسلمين لا يعرفها في السنة إلا مرة واحدة ألا وهي عبادة قيام الليل 
صلاة الليل أو نافلة الليل هى سنة مؤكدة تواترت النصوص من الكتاب والسنة بالحث عليها والتوجيه 
إليها والترغيب فيها ببيان عظيم شأنها
وقيام الليل له شأن عظيم في تثبيت الإيمان والإعانة على جليل الأعمال قال تعالى
{ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمْ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا * نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا * 
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا }  [المزمل/1-6 ]
 فهى تحظى بمكانة خاصة من بين النوافل و الصلوات المستحبة في الشريعة الإسلامية المباركة حيث 
أن هذه الصلاة توصل الإنسان المواظب عليها إلى ينابيع النور الإلهي
 و هي العبادة المميزة التي تُكسب المصلى جلالاً و نوراً و بصيرة و إيمانا و تقوى و فهما
و شرفاً و كرامة و تفتح عليه أبواب الرزق بل هي الصلاة التي ينال المصلي من خلالها
كل خير و تُعتبر هذه الصلاة من أهم الوسائل و الأسباب الموصلة إلى الكمال و الدرجات الرفيعة و المقام المحمود ولها الأثر الكبير في دفع الهم و الغم و البلايا و المكروهات إلى جانب ما لها من عظيم الثواب 
وجزيل الأجرلكن جَني ثمار هذه الصلاة يختلف من شخص للآخر وذلك بمقدار اهتمامه بها وبحسب كيفية 
أدائه لهذه الصلاة و بقدر خشوعه و توجهه حال أدائها إلى الله عز و جل ولقد أكدت الآيات القرآنية والأحاديث 
و الروايات المتواترة على أهميتها وضرورة المواظبة عليها وعدم التفريط بها في أي حال من الأحوال



صلاة الليل في القرآن الكريم
تطرق القرآن الكريم لصلاة الليل من جوانب متعددة في عدد من الآيات وسوف نذكر بعضا منها
1 ـ قال الله عز و جل مخاطبا حبيبه المصطفى صل الله عليه وسلم ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ 
عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا [ سورة الإسراء : 17 ]
2 ـ قال عز من قائل ممتدحا القائمين آناء الليل لعبادة الله جل جلاله : ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ 
جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ سورة السجدة : 32 ]
3 ـ و ذكر الله عز وجل أن من صفات عباد الرحمن قيامهم بالليل قال : ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ 
عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا  
[ سورة الفرقان : 25 ]
إذن في ذلك من التنبيه على فضل قيام الليل وكريم عائدته وأنه من أسباب صرف عذاب جهنم والفوز 
بالجنة وما فيها من النعيم المقيم وجوار الرب الكريم جعلنا الله ممن فاز بذلك
وقد وصف الله تعالى المتقين في سورة الذاريات بجملة صفات منها قيام الليل فازوا بها بفسيح الجنات 
فقال سبحانه : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ 
مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [ الذاريات : 15 / 17 ]

صلاة الليل في الأحاديث الشريفة
اهتم النبي الكريم محمد صل الله عليه وسلم و الأئمة من أهل البيت بصلاة الليل وأولوا هذه العبادة المتميزة اهتماما كبيرا و حرصوا على بيان أهمية هذه الصلاة و ما بها من آثار مادية و معنوية و حثوا المؤمنين 
على المواظبة عليها و الاهتمام بها و عدم التفريط بها ويظهر هذا الاهتمام جلياً لمن نظر في الأحاديث 
الشريفة وسوف نذكر بعضاً منها
 1 ـ عن عبد الله بن أبي قيس قال: قالت لي عائشة رضي الله عنها [ لا تدع قيام الليل فإن رسول الله 
صل الله عليه وسلم كان لا يدعه وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدا ]  
2 ـ قال رسول الله صل الله عليه وسلم [ عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وهو قربة
 لكم إلى ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم ]
  3 ـ  قال رسول الله صل الله عليه وسلم [ أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ]
  4 ـ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صل الله عليه وسلم
ألا أدلك على أبواب الخير؟  الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل
من جوف الليل ثم قرأ: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ 
(16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)}
{ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ } يعني بذلك قيام الليل
 5 ـ عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم [ أتاني جبريل عليه السلام  
فقال لي: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت واعمل ما شئت فإنك مجزي به وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس ]

 الأسباب التي تُعين الإنسان على قيام الليل
أولا: أول سبب من أسباب قيام الليل ترك الذنوب والمعاصي لأن الذنوب والمعاصي تحجب الإنسان 
عن ربه تبارك وتعالى فالذنوب والمعاصي هي سبب كل بلاء وشقاءونكد وحرمان في الدنيا والآخرة 
ولهذا قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى[ إذا لم تستطع على صيام النهار ولا قيام الليل فاعلم أنك 
محروم مكبل كبلتك ذنوبك ]
 ولقد شكى بعض الناس لعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه الصحابيالجليل قالوا: [ إننا لا نستطع 
أن نقيم الليل قال: أقعدتكم ذنوبكم ]
و قال الإمام الحسن البصري: [ إن الرجل ليذنب الذنب فيُحرم قيام الليل فإذا حُرمت قيام الليل يا عبد الله 
ففتش عن نفسك فتش عن واقعك عن حياتك ما الذي فعلته في نهارك؟ لعلك اغتبت أحدًا لعلك وقعت في 
النظر إلى حرام لعلك فعلت ذنب أومعصية هذا الذنب وهذه المعصية تجعلك تُحرم من قيام الليل ]

ثانيا: من أسباب قيام الليل قلة الأكل حتى قال أحدهم: [ من أكل كثيرا شرب كثيرا فنام كثيرا فتحسر كثيرا 
فلا شك أن كثرة الأكل تُثقل جسد الإنسان ]

ثالثا: كذلك من أسباب قيام الليل الدعاء لأن قيام الليل توفيق من الله هبة ربانيةعطية رحمانية فالله عزوجل 
لا يهب هذه العبادة التي قل من يطبقها إلا بعد توفيق الله عزوجل فندعو الله سبحانه وتعالى ونتضرع إلى الله 
أن الله يوفقنا ويعينا قبل أن ننام ندعو الله وتتضرع ونقول
[ يا رب يا الله يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا رب العرش العظيم اللهم أعني في هذه الليلة
 اللهم أكرمني ووفقني وأعني في هذه الليلة على الوقوف بين يديك ]

رابعا: كذلك من أسباب قيام الليل أكل الحلال والابتعاد عن الحرام قال الله جل وعلا:
{ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} يقول الإمام ابن كثير:
 فأكل الحلال يعين على العمل الصالح

خامسا: كذلك من أسباب قيام الليل القيلولة أي أن الإنسان ينام في وسط النهار
ولهذا جاء في بعض الآثار: [ استعينوا بالقيلولة على قيام الليل ] فلا بد أن الإنسان ينام في وسط النهار 
لأن الإنسان لو قام من الصباح من الفجر مثلاً إلى بعد صلاة العشاء لم ينام إلا بعد صلاة العشاء بساعتين 
أو ثلاث كيف يستطيع أن يقوم الليل وهو في طيلة النهار يعمل ويكدح؟ لا شك أنه لا يستطيع أن يقوم الليل 
إلا إذا شاء الله

سادسا: كذلك من أسباب قيام الليل الإكثار من ذكر الله جل وعلا؛ لأن الإكثار من ذكرالله يعطي الإنسان قوة ويعطي الإنسان توفيقا وانتصارا على النفس والهوى والشيطان ولهذا أوصى رسول الله صل الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وفاطمة رضي الله تعالى عنهما قبل النوم أن يسبحا الله سبحانه وتعالى عندما طلبت فاطمة خادمة أن تعمل في البيت لها فالرسول صل الله عليه وسلم أوصاهما أن يسبحا التسبيحات المعروفة 
سبحان الله 33 والحمد لله 33 والله أكبر 34

أحبائى فى الله أقول أخيرا من أسباب قيام الليل ولا بد أن نضع هذا الأمر في بالنا طهارة القلب و سلامة 
النفس من الحقد والحسد والضغينة فلا شك أن أصحاب القلوب المريضة لا يوفقون إلى أجل الطاعات 
وأعظم العبادات فلا بد أن الإنسان ينقي قلبه يصفي نفسه من هذه الأمراض الحقد والحسد والأنانية 
والبغضاء والكراهية حتى يوفقه ربه سبحانه وتعالى إلى هذه العبادة العظيمة

والله تعالى أعلى و أعلم
وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى أل بيته وصحبته ومن إتبعهم بإحسان إلى يوم الدين



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق